کد مطلب:280425 شنبه 1 فروردين 1394 آمار بازدید:234

اتباع ابراهیم
بعد عهد السبی تاجر الیهود بالمیراث الذی كتبه الله لإبراهیم، وانطلقوا فی اتجاه هذا الهدف بالعمل علی إقامة مملكة داوود وعاصمتها أورشالیم، بعد أن تبنوا عقیدة تقول أن مملكة داوود هی وعاء للعهد الإبراهیمی، وعلی امتداد مسیرتهم وبخهم الأنبیاء علی هذا الاعتقاد، فقال لهم حزقیال تقولون إن إبراهیم كان واحدا وقد ورث الأرض.

ونحن كثیرون لنا أعطیت الأرض میراثا... تأكلون بالدم وترفعون



[ صفحه 216]



أعینكم إلی أصنامكم وتسفكون الدم. أفترثون الأرض؟ [1] وقال لهم یوحنا (یحیی) تقولون لنا إبراهیم أبا. فإنی أقول لكم إن الله قادر أن یطلع من هذه الحجارة أولاد إبراهیم [2] وقال لهم المسیح علیه السلام لو كنتم أولاد إبراهیم لعملتم أعمال إبراهیم وقال أنتم أولاد أبیكم إبلیس. وشهوات أبیكم ترغبون فی أن تعملوا. فهو من البدء كان قاتلا للناس. [3] .

وعندما بعث النبی الخاتم (ص)، تحدث أهل الكتاب بعقیدتهم الخاصة بالمیراث، وعملوا علی نشر الثقافة التی تصب فی وعاء هذه العقیدة، والیهود فی مصادر الإسلام أعلنوا أنهم فی انتظار المسیح الذی یملكون به الأرض، والنصاری تحدثوا بما وضعه بولس فی عقولهم.

وهو أن الأمم شركاء للیهود فی المیراث، ووفقا لهذا الاعتقاد بدؤوا فی التحرك لوقف تحرك الدعوة الخاتمة فی اتجاه الأمم، وشید الیهود والنصاری صروحهم علی إبراهیم علیه السلام، فبینما زعم الحی الیهودی أن إبراهیم كان یهودیا، زعم الحی النصرانی أن إبراهیم كان نصرانیا، وفی زحمة هذه الثقافات. قالت الیهود لیست النصاری علی شئ، وقالت النصاری لیست الیهود علی شئ، وهذه الأقوال والاعتقادات شهد بها القرآن الكریم ورد علیها وأقام علی هؤلاء وهؤلاء الحجة الدامغة، ومن هذه الآیات قوله تعالی: (وقالت الیهود والنصاری نحن أبناء الله وأحباؤه. قل فلم یعذبكم بذنوبكم بل أنتم بشر ممن خلق. یغفر لمن یشاء ویعذب من یشاء) [4] والمعنی: لو كنتم كما تدعون أبناؤه وأحباؤه. فلم أعددت لكم نار جهنم علی كفركم وكذبكم وافترائكم بل



[ صفحه 217]



أنتم بشر ممن خلق أی لكم أسوة بأمثالكم من بنی آدم وهو سبحانه الحاكم فی جمیع عباده. فعال لما یرید لا معقب لحكمه وهو سریع الحساب.

وقال تعالی: (وقالوا كونوا هودا أو نصاری تهتدوا. قل بل ملة إبراهیم حنیفا وما كان من المشركین قولوا آمنا بالله وما أنزل إلینا وما أنزل إلی إبراهیم وإسماعیل وإسحاق ویعقوب والأسباط وما أوتی موسی وعیسی وما أوتی النبیون من ربهم لا نفرق بین أحد منهم ونحن له مسلمون. فإن آمنوا بمثل ما آمنتم به فقد اهتدوا. وإن تولوا فإنما هم فی شقاق) [5] وقبل هذه الآیات بین تعالی أن الدین الحق الذی كان علیه أولاد إبراهیم من إسماعیل وإسحاق ویعقوب وأولاده، كان هو الإسلام الذی كان علیه إبراهیم حنیفا، ویستنتج من ذلك أن أهل الكتاب علی عهد البعثة الخاتمة، كانوا قد انتهی بهم المطاف إلی أرضیة الاختلافات والانشعابات. التی أفرزتها اختراعاتهم وهوساتهم. بعد أن صبغوا دین الله بصبغة الأهواء والأغراض والمطامع، وروی أن الیهودی عبد الله بن صوریا قال للرسول (ص): ما الهدی إلا ما نحن علیه فاتبعنا یا محمد تهتد. وقالت النصاری مثل ذلك. [6] فقال الله لرسوله (قل بل ملة إبراهیم حنیفا وما كان من المشركین) أی: قل بل نتبع ملة إبراهیم حنیفا. فإنها الملة الواحدة التی كان علیها جمیع أنبیائكم. وما كان صاحب هذه الملة وهو إبراهیم من المشركین.

ثم ذكر لهم أن الدعوة الخاتمة تؤمن بالله وما أنزل إلیها وهو القرآن وما أنزل إلی إبراهیم وإسماعیل وإسحاق ویعقوب، ثم ذكر ما أوتی موسی وعیسی وخصهما بالذكر لأن المخاطبة مع الیهود



[ صفحه 218]



والنصاری، ثم ذكر ما أوتی النبیون من ربهم لتشمل الشهادة جمیع الأنبیاء فیستقیم قوله بعد ذلك لا نفرق بین أحد منهم. ثم قال تعالی:

(فإن آمنوا بمثل ما آمنتم به فقد اهتدوا) أی. فإن آمنوا بما آمنتم به من الإیمان بجمیع كتب الله ورسله ولم یفرقوا بین أحد منهم فقد أصابوا الحق وأرشدوا إلیه.

من الآیات السابقة یمكن أن نستشف الثقافة التی كان الیهود والنصاری یبثونها علی عهد الرسالة الخاتمة. فلقد ادعوا بأنهم أبناء الله وأحباؤه، وقالوا كونوا هودا أو نصاری تهتدوا، ویبدو أن القرآن عندما ضرب العمود الفقری لثقافتهم هذه، قرروا بأن یعمل كل حی من أحیائهم علی إنفراد، ویمكن أن نستشف ذلك من قوله تعالی: (وقالت الیهود لیست النصاری علی شئ وقالت النصاری لیست الیهود علی شئ وهم یتلون الكتاب) [7] قال المفسرون: هؤلاء أهل الكتاب الذین كانوا علی عهد رسول الله (ص)، وهذا القول یقتضی أن كلا من الطائفتین صدقت فیما رمت به الطائفة الأخری، ولكن ظاهر سیاق الآیة یقتضی ذمهم فیما قالوه مع علمهم بخلاف ذلك، ولهذا قال تعالی: (وهم یتلون الكتاب) أی وهم یعلمون شریعة التوراة والإنجیل، كل منهما قد كانت مشروعة فی وقت، ولكنهم تجاحدوا فیما بینهم عنادا وكفرا ومقابلة للفاسد بالفاسد، [8] وبالجملة: قد كان أوائل الیهود والنصاری علی شئ، وهذا لا تخلو منهم كتبهم لإقامة الحجة علیهم علی امتداد المسیرة، ثم ابتدع الذین من بعدهم وتفرقوا، ثم جاء العلماء الذین وضعوا التفسیر الشفهی للتوراة (التلمود) وعنده انقسم الیهود إلی فرق وأحزاب، وانتهی الأمر بأن وقف الحی الیهودی داخل دائرة حددها



[ صفحه 219]



الأحبار، ووقف الحی النصرانی داخل دائرة حددها بولس لخدمة أصحاب الدائرة الأولی، فالثقافة التی تخرج من مدونات خدمة النصاری للیهود تقول بأن الیهود والنصاری أبناء الله وأحباؤه، أما الثقافة التی یقول كل منهم أن الآخر لیس علی شئ، فهی نتیجة لحجة البعثة الخاتمة ومواجهتها للأطراف مجتمعین، فالدعوة الخاتمة أرشدتهم إلی الحق لیتفكروا ویتدبروا، وبدلا من أن یرجعوا إلی كتبهم التی لا تخلو من حق ویعرضونها علی منهج البعثة الخاتمة، إنطلقوا من التفسیر الشفهی وهذا التفسیر لا یقیم حقا لا إلی هؤلاء ولا إلی هؤلاء، لأنه مقابلة للفاسد بالفاسد.

وفی مجال عمل كل حی منفردا عن الآخر. قام كل منهما بوضع جمیع الأنبیاء داخل الحی الخاص به، ورد القرآن علیهم قولهم، قال تعالی: (أم تقولون إن إبراهیم وإسماعیل وإسحاق ویعقوب والأسباط كانوا هودا أو نصاری قل أأنتم أعلم أم الله، ومن أظلم ممن كتم شهادة عنده من الله وما الله بغافل عما تعملون)، [9] والمعنی: قال كل من الفریقین إن إبراهیم ومن ذكر بعده منهم، فقال تعالی: (قل أأنتم أعلم أم الله)، أی فإن الله أخبرنا وأخبركم فی الكتاب أن موسی وعیسی وكتابهما بعد إبراهیم. فإذا كان تشریع الیهودیة أو النصرانیة بعد إبراهیم ومن ذكر معه، فكیف یكون إبراهیم والذین ذكروا معه هودا أو نصاری؟

وقال تعالی: (یا أهل الكتاب لم تحاجون فی إبراهیم وما أنزلت التوراة والإنجیل إلا من بعده أفلا تعقلون، ها أنتم هؤلاء حاججتم فیما لكم به علم فلم تحاجون فیما لیس لكم به علم والله یعلم وأنتم لا تعلمون، ما كان إبراهیم یهودیا ولا نصرانیا ولكن كان حنیفا مسلما وما كان من المشركین، إن أولی الناس بإبراهیم للذین اتبعوه وهذا النبی والذین آمنوا



[ صفحه 220]



والله ولی المؤمنین، ودت طائفة من أهل الكتاب لو یضلونكم. وما یضلون إلا أنفسهم وما یشعرون، با أهل الكتاب لم تكفرون بآیات الله وأنتم تشهدون. یا أهل الكتاب لم تلبسون الحق بالباطل وتكتمون الحق وأنتم تعلمون). [10] .

لقد أنكر الله علیهم قولهم ذلك، وأمرهم برد ما لا علم لهم به إلی عالم الغیب والشهادة الذی یعلم الأمور علی حقائقها، وشهد سبحانه بأن إبراهیم كان متحنفا عن الشرك قاصدا إلی الإیمان وما كان من المشركین، وأخبر سبحانه بأن أحق الناس بمتابعة إبراهیم. الذین اتبعوه علی دینه، وهذا النبی. یعنی محمدا (ص) والذین آمنوا. لأنهم علی الإسلام الذی اصطفی الله به إبراهیم، وكذا كل من اتبعه دون أن یكفر بآیات الله ویلبس الحق بالباطل، ثم أخبر تعالی بأن طائفة من أهل الكتاب تود أن تضل الذین آمنوا بإلقاء الشبهات بینهم، وإنهم یضلون أنفسهم أولا. لأن الإنسان لا یفعل شیئا من خیر أو شر إلا لنفسه كما قال تعالی: (من عمل صالحا فلنفسه ومن أساء فعلیها وما ربك بظلام للعبید)، [11] ثم قال سبحانه (یا أهل الكتاب لم تكفرون بآیات الله وأنتم تشهدون) وأهل الكتاب لا ینكرون أن للعالم إلها، وإنما ینكرون أمورا من الحقائق بینتها لهم الكتب السماویة المنزلة علیهم وعلی غیرهم، كنبوة النبی (ص)، وكون عیسی عبدا لله ورسولا منه، وأن إبراهیم لیس بیهودی ولا نصرانی، وإن ید الله مبسوطة، وإن الله غنی، وإن الدجال فتنة فیه تصب جمیع الفتن، إلی غیر ذلك. وقوله تعالی: (وأنتم تشهدون) والشهادة هو الحضور والعلم عن حس، دلالة علی أن المراد بكفرهم بآیات الله. إنكارهم كون النبی (ص) هو النبی الموعود الذی بشر



[ صفحه 221]



به التوراة والإنجیل، مع مشاهدتهم انطباق الآیات والعلائم المذكورة فیهما علیه، وأیضا إنكارهم ما یبنیه لهم النبی الخاتم (ص) من آیات ربهم التی تنطق بها كتبهم. التی بین أیدیهم ویشهد القرآن بها، ثم قال تعالی: (یا أهل الكتاب لم تلبسون الحق بالباطل وتكتمون الحق وأنتم تعلمون) والمعنی لم تظهرون الحق فی صورة الباطل؟ وقوله: (وأنتم تعلمون) دلالة أو تلویح علی أن المراد باللبس والكتمان ما هو فی المعارف الدینیة، غیر ما یشاهد من الآیات التی حرفوها أو كتموها أو فسروها بغیر ما یراد منها.

ولما كان الله تعالی قد أنكر علیهم كفرهم بآیات الله وهم یشهدون، فإنه تعالی بین فی آیة أخری من آیات القرآن الكریم، أن جدالهم فی آیات الله بغیر سلطان أتاهم، رغبة منهم فی إدحاض الحق الصریح بهذا الجدال، قد أوقعهم فی فتنة المسیح الدجال، ففی قوله تعالی: (إن الذین یجادلون فی آیات الله بغیر سلطان أتاهم إن فی صدورهم إلا كبر ما هم ببالغیه فاستعذ بالله إنه هو السمیع البصیر)، [12] أخرج ابن أبی حاتم عن كعب. أن هذه الآیة نزلت فی الیهود فیما ینتظرونه من أمر الدجال، وأخرج ابن المنذر عن ابن جریج قال: قال الیهود. یكون منا ملك آخر الزمان. البحر إلی ركبتیه. والسحاب دون رأسه. یأخذ الطیر بین السماء والأرض. معه جبل خبز ونهر، وقال أبو العالیة: نزلت هذه الآیة فی الیهود. وذلك إنهم ادعوا أن المسیح (الدجال) منهم وإنهم یملكون به الأرض، فقال الله لنبیه (ص) آمرا له: أن یستعذ من فتنة الدجال. [13] .

وبالجملة بینت الدعوة الإلهیة الخاتمة. أن الرقعة التی یقف



[ صفحه 222]



علیها أهل الكتاب ویطالبون من فوقها المیراث الذی كتبه الله لإبراهیم، رقعة لا علاقة لها بإبراهیم ولا بالأنبیاء الذین جاؤوا من بعده، لأنها رقعة أوجدها الاختلافات والانشعابات، وهذا لا یستقیم مع الدین الإلهی، لأن الدین واحد كما أن الإله المعبود بالدین واحد وهو دین إبراهیم علیه السلام، وهذا الدین هو الذی تتمسك به الدعوة الإلهیة الخاتمة، ولما كان القوم لا علاقة لهم بإبراهیم، وشهد بذلك حزقیال وأشعیا ویوحنا والمسیح علیه السلام، وشهد بذلك القرآن الكریم الذی أنزل علی محمد (ص)، فالنتیجة هی أن القوم لا علاقة لهم بمیراث إبراهیم فی الدنیا والآخرة، ولما كان القوم ما زالوا یعتقدون بأن القدر یخبئ لهم أمیر سیخرج آخر الزمان یمتلكون به الأرض. فإن الدعوة الخاتمة أخبرت بأن المسیح الدجال سیخرج آخر الزمان، وأنه سیرفع شعار أرض المیعاد، وأن أكثر أتباعه من الیهود، ویلحق بهم الذین أخذوا بذیول الیهود، ثم الذین اتبعوا سنن أهل الكتاب شبرا بشبر وذراعا بذراع..


[1] حزقيال 33 / 23 - 25.

[2] متي 3 / 7 - 11.

[3] يوحنا 8 / 37.

[4] سورة المائدة آية 18.

[5] سورة البقرة آية 135.

[6] تفسير ابن كثير 186 / 1.

[7] سورة البقرة آية 113.

[8] ابن كثير 155 / 1.

[9] سورة البقرة آية 140.

[10] سورة آل عمران آية 65 - 71.

[11] السجدة آية 46.

[12] سورة غافر آية 56.

[13] أنظر تفسير ابن كثير 84 / 4، تفسير الميزان 348 / 17.